سورة الأحقاف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} قال عطاء: كان دينهم اليهودية، لذلك قالوا: إنا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى.
{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، {وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} {من} صلة، أي ذنوبكم، {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجن، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقوه في البطحاء، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم، وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثًا إلى الجن والإنس جميعًا.
قال مقاتل: لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن جميعًا.
واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن فقال قوم: ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار، وتأولوا قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم}، وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه.
وحكى سفيان عن ليث قال: الجن ثوابهم أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم: كونوا ترابًا، وهذا مثل البهائم.
وعن أبي الزناد قال: إذا قضي بين الناس قيل لمؤمني الجن: عودوا ترابًا، فيعودون ترابًا، فعند ذلك يقول الكافر: {يا ليتني كنت ترابًا} [النبأ- 40].
وقال الآخرون: يكون لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس، وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى.
وقال جرير عن الضحاك: الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون.
وذكر النقاش في تفسيره حديث أنهم يدخلون الجنة. فقيل: هل يصيبون من نعيمها؟ قال: يلهمهم الله تسبيحه وذكره، فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة. وقال أرطاة بن المنذر: سألت ضمرة بن حبيب: هل للجن ثواب؟ قال: نعم، وقرأ: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} [الرحمن- 74]، قال: فالإنسيات للإنس والجنيات للجن.
وقال عمر بن عبد العزيز: إن مؤمني الجن حول الجنة، في ربض ورحاب، وليسوا فيها.
{وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32)}.
{وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ} لا يعجز الله فيفوته، {وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ} أنصار يمنعونه من الله، {أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.


{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} لم يعجز عن إبداعهن، {بِقَادِرٍ} هكذا قراءة العامة، واختلفوا في وجه دخول الباء فيه، فقال أبو عبيدة والأخفش: الباء زائدة للتأكيد، كقوله: {تنبت بالدهن}.
وقال الكسائي، والفراء: العرب تدخل الباء في الاستفهام مع الجحد، فتقول: ما أظنك بقائم.
وقرأ يعقوب: {يقدر} بالياء على الفعل، واختار أبو عبيدة قراءة العامة لأنها في قراءة عبد الله قادر بغير باء. {عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} فيقال لهم، {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ} أي فيقال لهم: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} قال ابن عباس: ذوو الحزم. وقال الضحاك: ذوو الجد والصبر.
واختلفوا فيهم، فقال ابن زيد: كل الرسل كانوا أولي عزم، لم يبعث الله نبيًا إلا كان ذا عزم وحزم، ورأي وكمال عقل، وإنما أدخلت {من} للتجنيس لا للتبعيض، كما يقال: اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز.
وقال بعضهم: الأنبياء كلهم أولو عزم إلا يونس بن متى، لعجلة كانت منه، ألا ترى أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تكن كصاحب الحوت»؟.
وقال قوم: هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام، وهم ثمانية عشر، لقوله تعالى بعد ذكرهم: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [الأنعام- 90].
وقال الكلبي: هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين.
وقيل: هم ستة: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى، عليهم السلام، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء.
وقال مقاتل: هم ستة: نوح، صبر على أذى قومه، وإبراهيم، صبر على النار، وإسحاق صبر على الذبح، ويعقوب، صبر على فقد ولده وذهاب بصره، ويوسف، صبر على البئر والسجن، وأيوب، صبر على الضر.
وقال ابن عباس وقتادة: هم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، أصحاب الشرائع، فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة.
قلت: ذكرهم الله على التخصيص في قوله: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} [الأحزاب- 7]، وفي قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا} [الشورى- 13].
أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي، حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ، أخبرنا عبدالرحمن بن أبي حاتم، أخبرنا محمد بن الحجاج، أخبرنا السري بن حيان، أخبرنا عباد بن عباد، حدثنا مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قالت عائشة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها، والصبر على مجهودها، ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم، وقال: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} وإني والله لا بد لي من طاعته، والله لأصبرن كما صبروا، وأجهدن كما جهدوا، ولا قوة إلا بالله».
قوله تعالى: {وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} أي ولا تستعجل العذاب لهم، فإنه نازل بهم لا محالة، كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم، فأمر بالصبر وترك الاستعجال.
ثم أخبر عن قرب العذاب فقال: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب في الآخرة، {لَمْ يَلْبَثُوا} في الدنيا {إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار، لأن ما مضى وإن كان طويلا كأن لم يكن.
ثم قال: {بَلاغٌ} أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم، والبلاغ بمعنى التبليغ، {فَهَلْ يُهْلَكُ} بالعذاب إذا نزل: {إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} الخارجون من أمر الله.
قال الزجاج: تأويله: لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون، ولهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية.

1 | 2 | 3 | 4